ثماني قصص لأفراد وجدوا ضالتهم لعيش أحلامهم

بقلم: إيما فرانسوا

حملت حياة مُشغّلة آليات تصميم ملاعب الجولف بأنجيلا موسر إلى مختلف بقاع الأرض. إنه عمل فني يتطلب الدقة والمثابرة؛ فالجرّافة فُرشاتها للرسم.

تعيش آنجيلا موسر حياة البدائيين نوعاً ما، وهي تهوى عملها الذي يكمن في ابتكار فكرة تقوم على تطويرها، ثم تغييرها بكل ثقة تبعاً لغريزتها، وتشكيل الرمال والتضاريس وتجهيزها لعمليات زرع العشب في ملاعب الجولف.

تقول آنجيلا: «يجب أن يتّسم مُشغّل آليات تصميم ملاعب الجولف (الجرافات) بالشغف، إلى جانب الإلمام التام برياضة الجولف وتاريخها وفنون تصميم ملاعبها. فالمُشغّل لا يعمل وفقاً لمخططات المهندس المعمارية فقط، وإنما يمكنه أيضاً تطوير الأفكار ومحاولة دمج ملعب الجولف مع الطبيعة، وليس عكس ذلك. نحن معتدلون ونحاول عدم تغيير العالم».

وأضافت: «إنها عملية طويلة ودقيقة، حيث أقوم بتشكيل التضاريس باستخدام الجرّافة قبل أن أترجّل عنها لأتفقد ما تم تحقيقه من مختلف الزوايا وإمكانات اللعب من مختلف الاتجاهات. حرفياً، أستمر في التشكيل والتغيير حتى يصبح التصميم الذي أمامك متكاملاً وخالياً من العيوب. علاوةً على ذلك، أعمد إلى لعب رياضة الجولف على الأرض الرملية للتأكد من أهلية ما صنعته يداي».

بعد اجتيازها مرحلة الطفولة، شاركت آنجيلا في بعض البطولات، وتتذكر بشكل خاص الحفرة الثالثة المعقدة المقابلة للمياه في أحد الملاعب، وتقول: «تصميم منطقة التسديد ودمجها مع مسار اللعب وتضاريسه كان صعباً حقاً. كنت أقول إن هذا أروع شيء على الإطلاق، غير أن الجميع كانوا يتساءلون: «ما خطبها؟، وهل أنا غريبة الأطوار؟».

في ذلك اليوم، أدركت آنجيلا أن عشقها يكمن في هندسة ملاعب الجولف، وعلى الرغم من أن هذا النوع من المِهَن لم يكن شائعاً في مسقط رأسها بألمانيا، إلا أنها وبعد حصولها على شهادتها في هندسة المناظر الطبيعية والعمل في شركة تصميم نمساوية، كانت تؤكد على أن «هناك شيء ما آخر في الخارج»، ثم عَمِدت إلى محرك البحث «جوجل»، وتبحث عن «أفضل ملاعب الجولف». وبعد التعمق في النتائج، أرسلت بريداً إلكترونياً إلى «توم دواك» متسائلةً حول إمكانية الالتحاق بالشركة لتلقي التدريب اللازم فيها. وبالفعل، عرض عليها «توم» منصباً في عملية تصميم نادي رينيسانس باسكتلندا، في هذا الشأن تقول آنجيلا: «لقد قام بالتوضيح والتأكيد على طبيعة الوظيفة وأنها ستكون تدريباً في موقع البناء. حينها كنت أشعر بحماسة كبيرة ولا يسعني الانتظار».

كانت تلك المرة الأولى التي تُشغّل فيها آنجيلا آلية نقل الرمال والحفارة والجرافة. تقول آنجيلا: «كانت تلك بدايتي في العمل مع الرمال، ومع ذلك شكّلت تجربة متميزة تعلمت خلالها معنى تطوير وتصميم ملاعب الجولف».

ولأولئك الأشخاص الباحثين عن وظائف كبيرة في حياتهم، فإن نصيحة آنجيلا لهم تكمن في البحث عن أشخاص يُبهرونك بأعمالهم، سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام أو تويتر، وإرسال الرسائل الإلكترونية لهم، حيث تقول: «شاركهم آراءك واهتماماتك ووضّح لهم ما تسعى لفعله. بريد إلكتروني واحد كان كفيلاً بتغيير مسار حياتي. كل ما تحتاج إليه هو التحلي بالشجاعة والمُضي قُدماً نحو الخطوة الأولى».

العناية بالعشب

تتطلب الملاعب عناية مستمرة، وهي عملية ليست سهلة وتتضمن مراحل عدة، يقول براين جرين رئيس صيانة الملعب في ملعب لوني بول للجولف في حرم جامعة ولاية كارولينا الشمالية: «في الوقت الحالي يشهد القطاع تنامياً في فرص العمل المتاحة، إذ يوجد نقص في موظفي الصيانة، بدءاً من العمال ووصولاً إلى المشرفين»؛ وذلك بسبب الجائحة التي أدت إلى تدني مستويات توافر العمالة في مختلف القطاعات. كما أن الأعمال في غالبيتها كانت تستعين بالعمالة الأجنبية، وبمرور الوقت أصبح الأمر أكثر صعوبة، خاصة مع تغيير سياسات الهجرة.

ولوجود الملعب في حرم الجامعة، فإن «لوني بول» يعتمد على الطلاب من عشاق رياضة الجولف، لكن معظمهم غير مُلِم بحيثيات صيانة الملعب. وكما هي الحال مع مختلف ملاعب الجولف، يعمد نادي لوني بول إلى توظيف فريق من خبراء الصيانة الأرضية للقيام بالأعمال اليومية التي تشمل إصلاح مسطحات الملعب وتشغيل الآليات (الجرافات).

يقول جرين: «إنها نقطة بداية جيدة»، فمن هنا يتخصص العمال في المجال المفضل لديهم، مثل أنظمة الري أو الآلات أو أعمال رشّ المبيدات الحشرية، أو حتى أعمال البستنة. ومع أن صيانة الملاعب لا تتطلب نوعاً محدداً من التعليم، فإن اكتساب المعرفة والخبرة في مجال الجولف، أو تصميم المسطحات الطبيعية يُعد إضافة للعاملين في هذا النوع من الوظائف. والعديد من خبراء التصميم يسعون للارتقاء بمسيرتهم المهنية ليكونوا مشرفين، والحصول على شهادات عليا ودورات تدريب في إدارة ملاعب الجولف. وبالنسبة لبراين جرين المولود في مدينة دورهام، فإنه لم يكن واثقاً بخطوته التالية بعد تخرجه في الثانوية، إذ درس بالكلية الكائنة في مسقط رأسه، قبل أن يعلم ببرنامج إدارة الأعشاب في جامعة ولاية كارولينا الشمالية. وفيها وجد ما كان يبحث عنه.

من جهته يقول جيفري أوستن، مشرف العمليات في ملعب يال للجولف بمدينة نيو هيفن في ولاية كونيتيكت: «كما هي الحال في معظم الوظائف، يتطلب الأمر القليل من العلم وفنون المعرفة؛ فهي وظيفة لا يمكنك الإلمام بجميع حذافيرها».

بدأ جيفري مسيرته في إدارة الملاعب في العشرينيات من عمره، بعد دراسته علوم السياسة والعمل لأحد أعضاء مجلس الشيوخ. وبعد مرور عام في منصبه، أدرك أن العمل المكتبي ليس طموحه، وفي فصل الصيف كان يعمل جزئياً في صيانة الملاعب، عندها طرح على نفسه سؤالاً سقط عليه كالصاعقة: «هل يمكن جني المال من زراعة الأعشاب والعناية بها؟». حينها أدرك أن الأمر ممكناً، وهكذا عاد إلى مقاعد الدراسة للتخصص في إدارة الأعشاب وأمضى 18 عاماً يعمل في مختلف الملاعب، بما فيها ملعب أوغوستا الوطني بوظيفة مساعد مشرف للتدريب.

مثل العديد من مشرفي ملاعب الجولف، يتفق أوستن على أن أفضل جزء في الوظيفة هو العمل مع الطبيعة الأم، ويقول: «عليك العمل مع الكثير من الرمال والوحل والطمي لتحقيق الأهداف. ولا أزال أعمل في هذه الوظيفة ودائماً ما أتطلع إلى الاستفادة من خبرات الآخرين العاملين في هذا المجال. علاوة على ذلك، تُتاح لي فرص عدة لممارسة الجولف مجاناً».

غموض في الأعماق

في أعماق المياه المظلمة، يقوم الغواص بريت باركر باتباع نمط معين لما يصل إلى 12 ساعة، وذلك بحثاً عن كرات الجولف بيديه، مع تجنب أغصان وجذوع الأشجار والزجاجات المكسورة والأسلاك الشائكة الموجودة في قاع المياه، وحتى سلاحف القاطور النهاشة التي يبلغ وزنها 27 كيلوجراماً. يقول بريت: «إن هذا النوع من العمل يُعَد فناً ويتطلب خبرة معينة؛ فمن دون علامات أو مجال واضح للرؤية، يتوجب عليك دائماً معرفة موقعك والأماكن التي قمت بزيارتها تحت الماء، وإلا ستضيع فرصة التقاط إحدى الكرات، وبالتالي خسارة بعض النقود التي يمكن الحصول عليها بكل سهولة. وأضاف: «عندما أباشر العمل، يمكنني البقاء تحت الماء طوال اليوم، إذ إن فلسفتي تقوم على مبدأ إذا لم ألتقطها أنا؛ شخص آخر سيفعل ذلك».

ترعرع بريت في زيمبابوي (روديسيا سابقاً)، ولم يترك أية كرة جولف تغرق في المياه الضحلة. وفي اللحظة التي ترتطم بها الكرة بسطح الماء تجد الأطفال يتهافتون لالتقاطها وإعادتها إلى إدارة النادي مقابل الحصول على مال زهيد، وقد كان ذلك قبل أن ينتقل إلى ولاية فلوريدا في عام 1986، ويرى اللاعبين يضربون الكرات بشكل عشوائي في المياه، واحدة تلو الأخرى. حينها اعتقد أنه وجد فرصته، لكن كان هناك عائق واحد يقف في طريق مهنته المستقبلية، وهو تماسيح القاطور.

يقول بريت: «في أفريقيا غالباً ما كنا نسبح مع التماسيح. وبوجه عام، يمكن التعامل مع تماسيح القاطور، إذ إنها أسهل نوعاً ما وقابلة للانقياد. كما أنه في اللحظة التي أنزل فيها إلى المياه أجد الراحة في الظلماء، وإذا لم يكن بمقدوري رؤية شيء، فإنهم غير قادرين على رؤيتي أيضاً».

بدأ بريت باركر بمزاولة الغوص عندما كان في سِنّ الـ 16، حيث كان يعمل في إحدى المزارع بروديسيا، ويجمع الأشياء الثمينة من المياه، مثل محركات القوارب، يقول باركر: «عندما تكون صغيراً، فإنك تجهل بعض الأمور، وغير مُدرك لقيمة الحياة، لكن استرجاع محرك قارب تبلغ قيمته 60 ألف دولار أميركي، قد يجعلك تجني 1500 دولار أميركي، ما يعادل راتب خمسة أشهر في هذه الأيام».

يُعَد بريت البالغ من العمر 62 عاماً، واحداً من خمسة (كما يعتقد) مزاولين محترفين للغوص والبحث عن كرات الجولف في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حاز رخصته بعد أن التحق بمدرسة للغوص بعد انتقاله إلى فلوريدا.

عن هذا يقول بريت: «قلما تجد الشباب مقبلين على هذا النوع من العمل، أعتقد بأنني من سلالة على وشك الانقراض».

في حال مزاولتك هذه المهنة لفترة طويلة من الوقت، وعملت على تطوير مهاراتك، فإنه يمكنك التقاط نحو 1,3 مليون كرة سنوياً (وهو الرقم الذي يحققه بريت)، ما يعود عليك بمبلغ 150 ألف دولار أميركي. أما بالنسبة للمعدات والأدوات، فهي تراوح بين الترخيص، وأقنعة التنفس، والزعانف وأحزمة للأثقال وبدلات غوص تناسب درجات الحرارة المختلفة، وأسطوانات الأكسجين وحقيبة لجمع الكرات، فضلاً عن الحافلات والمقطورات. وبالنظر إلى خطورة طبيعة العمل نتيجة تلوث المياه بالبكتيريا ومبيدات الأعشاب وانتشار الكائنات الحية السامة من ثعابين، فإن بريت يحرص دائماً على توفر مجموعة إسعافات أولية للوقاية من لدغات الأفاعي، ويحمل معه دواء سودافيد وفيتامين سي والبوتاسيوم (للتشنجات العضلية) وعبوة بيبتو بيسمول ومشروبات مرطبة. كما أنه يعمد إلى تلقي مطاعيم ضد الكُزاز باستمرار. ولاستخراج الكرات القابعة في قيعان المياه الضحلة التي غالباً ما تكون عالقة في مكان ما، أو بعيدة عن الأنظار، يرتدي القفازات التي يستخدمها في عمليات البستنة فوق القفازات الطبية لإبقاء يديه دافئتين ووقايتهما من الجروح والإصابة بأي نوع من العدوى.

وكان أفضل ما وجده في المياه، كرة عمرها 130 عاماً لم يقم ببيعها. كما عثر أيضاً على سيارة مرسيدس وخزائن فارغة وأسلحة (غالباً ما يلجأ إلى التوقف عن العمل وإخطار الشرطة في هذه الحالات). من وجهة نظر بريت، هو يقدم خدمة إلى المجتمع ويجعل المياه أكثر أماناً ومكاناً أفضل لمختلف الكائنات الحية.

التخطيط للمتعة

قام جيسون كوفلين باللعب في أفضل نوادي الجولف بولاية ويسكونسن قبل أن يعمد إلى تدشين شركته الخاصة لإدارة جولات الجولف. يقول كوفلين: «كنت أقوم برعاية أطفالي قبل أن يتواصل معي أحد الأصدقاء طالباً مني تنظيم رحلة للرجال فقط. كنت متحمساً جداً لذلك وكان لدي الكثير من الوقت للتخطيط للرحلة».

ومع حلول عام 2008، نمت المجموعات التي تستعين بخدمات شركته ليصل عددها إلى 44 مجموعة. وكان لا يزال يظن أن العدد قليل؛ فكان على سبيل المثال يمنح كل شخص ينضم إلى المجموعة بطاقة مكافآت من مكتب تأجير للسيارات أو ما شابه ذلك. لكن تلك الأيام ولّت، فهذا العام تقوم شركته، «ويسكونسن لتنظيم رحلات الجولف»، بتنظيم رحلات 90 مجموعة مع إجمالي مبيعات يبلغ 1,8 مليون دولار أميركي. فقد تعلم جيسون كيفية إدارة الأعمال من خلال حضور حلقات تدريب وأخذ دورات عبر الإنترنت في مختلف المجالات والموضوعات، مثل تخصيص عمليات البحث الرقمية وتصميم المواقع الإلكترونية، إلى جانب ممارسة رياضة الجولف وتطوير أواصر الصداقة مع المحترفين وتكوين علاقات مع مختلف أصحاب المصالح في الولاية.

يقول جيسون: «إذا لم تقم من قبل بتأسيس عمل ما، عليك أن تكون صريحاً مع نفسك وتقول لا أعرف ماذا أفعل، أو أين يمكن أن أذهب، أو أين أجد هذا وذاك». وأضاف: «لقد تعاملت مع عملي بجهل قبل أن أتعلم كيف تسير الأمور».

كان جيسون يعلم أنه سيدير معظم أعماله عبر الشبكة العنكبوتية، لذلك عَمِد إلى إتقان تصميم موقع شركته الإلكتروني، فعلى سبيل المثال، الصفحة الرئيسة تضم صورة له وهو يبتسم في مضمار للعب مرتكزاً على مضربه، ما يعكس اهتمامه الشخصي الذي يحب أن يمنحه للمتعاملين، سواء كانوا مجموعة من نخبة اللاعبين أو أفراداً متواضعين. كما يقضي معظم وقته في كتابة عروضه الخاصة التي يرسلها مسبقاً إلى زبائنه، والتي تتضمن التفاصيل، حيث يوليها اهتماماً زائداً. ويعزز رسائله الإلكترونية بالروابط والصور. وعلى الرغم من أنه في معظم الأوقات يكون على تواصل مع شخص واحد معني بالتخطيط، إلا أن البريد الإلكتروني سبيله الوحيد لنجاح عمله. يقول جيسون: «ملاعب الجولف تبيع نفسها بنفسها. لكن خدماتي التي أوفرها، تمكنك من الوثوق بي وائتماني على نقودك ووقتك الثمين».

وتسيِّر شركة جيسون عملياتها في ويسكونسن، ما يعني استقدام السياح واللاعبين إلى الولاية. وفي هذا الصدد يقول كوفلين: «لدي العديد من الأصدقاء الذين يعملون فقط خارج نطاق الولاية، ويقدمون خدماتهم للمتعاملين في تلك المنطقة. بالنسبة لي لا أشعر بالراحة عندما أتعاقد مع مجموعة لزيارة منطقة لا أعرفها».

قبل خمس سنوات، انضم جيسون إلى جمعية مشغلي جولات الجولف الدولية، وقد أبدى تعاونه مع زملائه في مختلف مناطق الولايات المتحدة الأميركية لتوسيع نطاق عملياته في وجهات، مثل نيفادا ومينيسوتا وميتشيغان. كما تربطه علاقات في مكانين يألفهما جيداً خارج الدولة، في أيرلندا الشمالية وسانت أندروز باسكتلندا. وعادةً ما يقوم جيسون بحجز رحلات السفر قبل عام من تاريخها ويقوم بتخطيط رحلات لمجموعة من الأصدقاء بفكرة خاصة لقضاء أفضل وقت في ممارسة رياضة الجولف، ويقول: «لطالما كنت أسعى للتعرف إلى هؤلاء الأشخاص بشكلٍ جيد، وقد نجحت في تكوين عدد من الصداقات الرائعة، وأنا أتواصل معهم على الدوام».

الاستمتاع بمسيرة حافلة

لطالما أدرك ديفيد إدل هدفه في الحياة، وهو العمل في مجال الجولف ورد الجميل لهذه الرياضة التي يحب. ووفقاً له؛ فقد خاض ديفيد غِمار مختلف المهن المرتبطة برياضة الجولف، بدءاً من حمل حقائب المضارب ووصولاً إلى التوجيه وصيانة الملاعب، قبل أن يجد عشقه في تصميم وتصنيع مضارب الجولف، مثل «بوترز» و«ويدجز» و«الحديدية». يقول ديفيد: «علينا تلبية مختلف احتياجات الرياضة. كما أنني أنظر إلى ما أقدمه بوصفه وسيلة لمساعدة الآخرين للاستمتاع بلعب الجولف».

كانت وظيفة ديفيد الأولى عندما كان في الثانوية، حيث عمل موظفاً في غرفة الحقائب، وترتّب عليه أعمال التنظيف في متجر نادي الجولف المكون من تسع حفر في مدينة ريدسبورت بولاية أوريغون، ثم ارتقى بعمله وانتقل إلى صيانة الملاعب في الصيف لتمويل دراسته بالكلية. وخلال دراسته في جامعة أوريغون، عمل في مركز فيدلر جرين جولف بمدينة يوجين، وكان يُعَد حينها أكبر متجر لبيع معدات رياضة الجولف في العالم، حيث يمتد على مساحة 15 ألف قدم مربعة.

يقول ديفيد: «في فيدلر جرين جولف تعلمت مهارات البيع بالتجزئة، واختيار المضارب المناسبة وخدمة المتعاملين، حيث كان أفراد العائلة التي تملك المتجر وتشغّله رائعين للغاية. كما أنني أتقنت فن الإصغاء والتحدث عند التعامل مع الآخرين حول مضارب الجولف، إلى جانب كل ما يتعلق بعالم هذه الرياضة».

بعد إنهاء دراسته في الكلية، عمل ديفيد إدل في مختلف وظائف التعليم ومساعدة اللاعبين المحترفين في البلاد. وفي تسعينيات القرن الماضي أمضى بعض السنوات في تعليم الجولف بأميركا الوسطى وأميركا اللاتينية، مثل كولومبيا وبنما والهندوراس والأرجنتين. في البداية لم يكن يتحدث الإسبانية، غير أنه سرعان ما أتقن اللغة، ويقول: «كنت أعلم أن التعليم المجال الأنسب لي، وعملية التعليم من دون معرفة اللغة جعلتني مُعلّماً أفضل».

في عام 1996، تزوج ديفيد إدل وقرر العودة إلى أرض الوطن للبحث عن الاستقرار الوظيفي، وأضاف: «لقد كنت أشعر بالتعب والإرهاق، وغالباً ما كنت أسابق الزمن لتحقيق الأفضل».

عند عودته شارك في عمل العائلة الفندقي، لكنه كرهه منذ اليوم الأول، فقد اعتراه الحنين للجولف، قبل أن يبدأ بالتفكير في صناعة سلسلة من المضارب خاصة به من نوع «بوتر». يقول ديفيد: «لطالما أحببت صناعة المضارب وإصلاح المعدات على الرغم من تعقيداتها». وخلال مزاولته مختلف الأعمال في مسيرته المهنية، كان دائماً سباقاً لتعديل وإصلاح مضارب الجولف. وأضاف: «نشأت في منتجع العائلة للصيد، وهناك عليك إصلاح كل شيء، لذلك توجد لديّ هذه الميزة والقدرة على إصلاح الأشياء».

وبحلول نهاية العام، عَمِد ديفيد إلى تأسيس شركة إدل للجولف التي تمتلك اليوم 450 حساباً لتجهيز المضارب حول العالم وتوزيعها في 12 دولة، في هذا الصدد يقول ديفيد: «إذا كنت أعلم الفترة الزمنية التي سأحتاجها للوصول إلى هذه النقطة، كنت سأعمد إلى تكريس نفسي لها. لم أكن أعتقد أن هذا الأمر سيكون بهذه الصعوبة، إذ كان شاقاً ومليئاً بالتحديات، غير أنني أحببت كل دقيقة في هذه الرحلة؛ فقد فتحت الجولف عيناي على العالم».

الحياة في لعبة الجولف المصغرة

أبدى ديفيد باكوس عندما كان في الـ 33 من عمره رغبة شديدة في ترك شركة الخدمات المالية التي كان يعمل بها، حيث بدأ بالتخطيط لعمله الخاص خلال عطلته على شاطئ ميرتل، وهناك قضى برفقة أصدقائه وقتاً طويلاً في لعب الجولف المصغرة. في ذلك الوقت، تحدث إلى شقيقته جيسيكا باكوس التي كانت تبلغ من العمر حينها 29 عاماً وتعمل محاسبة، عن فكرته بافتتاح ملعب جولف مصغر في مدينة أوستن حيث كان يعيش. وقد تبنى كلاهما أبحاثاً معمقةً واطلعا على كل ما يتعلق برياضة الجولف المصغرة وكيفية إدارة المنشأة عبر الإنترنت، ثم عرضا خطة العمل على زوج قريبتهما الذي كان يتمتع بخبرة في تأسيس الأعمال، والذي قال لهما: «يمكنكما تحقيق 50% من أفضل النتائج التي تتطلعان إليها». وبالفعل، عمل كل من ديفيد وجيسيكا إلى خفض توقعاتهما، ما ساعدهما في تطوير خطة عمل أكثر واقعية.  ومع ذلك، فقد تم رفض طلبهما من قِبَل جميع البنوك العشرة التي تقدمها إليها لتمويل المشروع، والسبب أن المشروع حافل بالمخاطر وأنه مشروع خاص ذو عائد استثمار محدود.

وبعد تجميع أفكارهما، عَمِد ديفيد وجيسيكا إلى الاستعانة بوالديهما وطلب الدعم منهما مادياً، فضلاً عن أنهما لجآ إلى بيع أصولهما، لجمع المبلغ المطلوب، إذ بلغت تكلفة مضمار اللعب وحده نحو 300 ألف دولار أميركي، وتوجب عليهما شراء الأرض، إلى جانب مستلزمات الإنارة واستئجار المعدات، ليصل إجمالي الاستثمار إلى 1,4 مليون دولار أميركي.

في وقت لاحق تم وضع الخطة، ثم سافر الشقيقان إلى مدينة وايلدوود في ولاية نيو جيرسي لزيارة المصنع الذي اختاراه لتصميم وبناء مسار اللعب. الخطوة التي كان بإمكانهما تجنبها من خلال إلقاء نظرة إلى بعض نماذج التصميم على الورق، لكن الشقيقين أرادا تجربة المنتج. في اليوم السابق لاجتماعهما مع فريق المصنع، عَمِدا إلى «اقتحام» كل ملعب جولف مصغر في مدينة وايلدوود للتعرف إلى حيثيات التصميم والصخور المستخدمة وشلالات المياه، الأمر الذي عاد عليهما بالنفع. يقول ديفيد: «لقد جعلوا المسارات تبدو وكأنها طبيعية تنبض بالحياة، لكنها في حقيقة الأمر من صُنع البشر. علاوة على ذلك، تمكنا من التعرف إلى كيفية عمل الآليات عند إطفائها. كنا ندرك العواقب الوخيمة لهذا المشروع، لكن شعورنا بالحماسة كان طاغياً، وأن المخاطرة جاءت بأكلها».

بعد ذلك، قام ديفيد بطلب مساعدة أصدقائه في رياضة الجولف الذين كانوا يعملون في البناء والكهرباء والسباكة، حيث يقول: «لقد ساعدوني كثيراً على اقتناء المعدات اللازمة، وكنت قادراً على الوثوق بهم». وأضاف: «كنا نعلم أن عملية البناء والتطوير ستكون مُكلِفة، لكن تكاليف الإدارة عكس ذلك. لهذا كان استثمارنا مقدماً وحققنا أرباحاً منذ اليوم الأول من افتتاح الملعب».

اليوم، وبعد خمس سنوات من تدشين «دوك أدفنتشر جولف»، لا يزال هناك الكثير لفعله، خاصةً فيما يتعلق بالصيانة والكشف عن الأعطال والمشكلات التي لا حصر لها. وأفاد ديفيد بأن أفضل جزء في الوظيفة هو مقابلة الأشخاص القادمين للعب الجولف، ورؤية أطفالهم وهم يُفرِغون طاقاتهم في الهواء الطلق.

يقول ديفيد: «عليك بالمخاطرة وأنت في سِنٍّ صغيرة». وأضاف: «تأكد أن ثمة حلاً لكل المشكلات. قد يكون طريق المستقبل غير واضح وصعباً جداً، لكن في نهاية المطاف سيكون هناك شخص، سواء من العائلة أو الأصدقاء، يرى جدوى من حلمك الصغير».

جِد صوتك

لم تكن تريشيا كلارك قد لعبت الجولف من قبل، لكنها ساعدت الشركات في تحقيق عوائد ضخمة من خلال البطولات الخيرية ضمن مجال عملها في الموارد البشرية في لجان الجولف، وهو العمل الذي أحبّته بشكل تلقائي. لكن ذلك انتهى عندما كانت تتابع مُجْريات بطولة فالسبار ضمن جولة رابطة محرفي الجولف لعام 2018 عند الحفرة الثانية عشرة، حينما شاهدت تايجر وودز يقدم أداءً مذهلاً ضمن جولة عودته إلى اللعب، حينها قررت أن تمنح نفسها فرصة تجربة اللعبة.

تقول تريشيا التي كانت تعمل في قسم الموارد البشرية بمؤسسة ويلبلت في ذلك الوقت: «كنت السيدة الأميركية الوحيدة من أصول أفريقية ضمن الحضور على المنصة الشرفية. وكنت أصرخ بأعلى صوتي عندما أدخل تايجر وودز الكرة بالحفرة بضربة واحدة تحت المعدل، عندها رفع طرف قبعته ليقدم التحية لي. حينها أدركت أنه عليّ تعلم اللعبة».

وبعد أربعة أعوام ومع إدخال الكرة بالحفرة من تسديدة واحدة، أصبحت تريشيا «سفيرةً للجولف»، مهمتها استقطاب المزيد من السيدات من الأصول الأفريقية إلى هذه الرياضة، وهي تقوم بذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعد عضوةً في إحدى مجموعات الجولف العالمية على منصة فيسبوك التي تضم 30 ألف شخص.

تقول تريشيا: «أقوم بتحميل صورة مع كل شخص ألعب معه الجولف لتخليد الذكريات، إذ غالباً ما تريد تكوين علاقات مع الشخص الذي تصادفه خلال لعب الجولف. ربما سيعود ذلك بالنفع عليك يوماً ما في المستقبل».

وبالفعل، تغيرت حياة تريشيا بسبب إحدى هذه العلاقات؛ ففي عام 2021 اقترح عليها أحد الأشخاص الذين كانت تلعب معهم الجولف، التواصل مع ماني أبشاو، رئيس اتحاد الجولف في لوس أنجلوس، حيث كان يتطلع إلى بدء تدشين بثٍّ حيّ للجولف مع كريس سيفورد، حفيد تشارلي سيفورد، أول رجل من أصول أفريقية يشارك في جولة رابطة محترفي الجولف. وكانت النتيجة ولادة برنامج «The Golf Locker Room» الذي يتناول كل ما يتعلق بمجتمع الأقليات في اللعبة. وكان البرنامج في شهر يوليو الماضي قد احتفى بمرور عام على تدشينه، حيث يقوم كلاً من تريشيا وأبشاو وسيفورد (في فلوريدا وكاليفورنيا وكارولينا الشمالية على التوالي) بتسجيل البرنامج على الهواء مباشرةً كل يوم أربعاء في تمام الساعة الثامنة مساءً. والبرنامج لا يتطلب سوى ميكروفون وكاميرا وإضاءة وأبحاث و«تناغم»، حيث تكمن وظيفة تريشيا في تكوين العلاقات وتعزيزها على أرض الملعب وإيجاد ضيوف للبرنامج. وفي الوقت ذاته، عكس وجهة نظر المرأة في رياضة الجولف.

وفي ربيع هذا العام، قدمت تريشيا استقالتها بوصفها مساعداً تنفيذياً في شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (حيث كانت تعمل في لجنة رياضة الجولف)، بهدف التركيز على مسيرتها المهنية. وإلى جانب عملها في البرنامج، تدير تريشيا أيضاً أعمالها التجارية الخاصة بحجز رحلات السفر ولعب رياضة الجولف، وتنظيم وجمع التبرعات للبطولات والندوات، فضلاً عن عدد من المشروعات المستقبلية. كما قامت بتأسيس مؤسسة غير ربحية، وهي «Queens and Kings on the Greens» لتعريف المزيد من الأشخاص إلى اللعبة وتذليل العقبات المالية أمام لاعبي الجولف الشباب وطلاب الثانوية والجامعات الراغبين في احتراف رياضة الجولف.

تقول تريشيا: «أنا شخصية انطوائية، لكن رياضة الجولف والبرنامج جعلاني شخصية أخرى منفتحة تماماً». وأضافت: «لا أخاف من الكلام والتحدث إلى الآخرين، ولا أخشى التعريف بنفسي إلى الغرباء. أنا سعيدة بذلك، وربما هذه هي شخصيتي الحقيقية، لكنني كنت بحاجة إلى دفعة لإظهارها».

الدفع برياضة الجولف إلى أبعد الحدود

عقب طرح عرض ترويجي إلى 50 شخصاً في عام 2017، عاد مصمم الأزياء مايكل هوين إلى مكتبه ليلتقط أنفاسه، لكن هذا الجهد المفرط أدى إلى دخوله في نوبة صرع، ليتم نقله لاحقاً إلى المستشفى. وخلال أقل من 72 ساعة، أصابته النوبة من جديد، وفي هذا الشأن يقول: «لقد أنهكت نفسي وفرّطت في صحتي».

وقد شخّص الأطباء حالته على أنها ارتفاع في ضغط الدم، وأدرك حينها خطورة الأمر عندما قال له الأطباء: «إن لم تتوقف ستنتابك هذه النوبة من جديد وقد تُصاب بجلطة في الدماغ تؤدي بك إلى التهلكة».

ثم ما لبث أن اقترح عليه اختصاصي العلاج الطبيعي ممارسة رياضة الجولف التي يقول مايكل إنها أنقذته وحبه للتصميم وحياته بشكل عام. وأضاف: «تعلمت كثيراً عن نفسي من خلال رياضة الجولف، إذ إنك تتعرض للضغط الذي يمكنك التعامل معه وكيفية التحكم به والتعامل معه. كما تُعلّمك رياضة الجولف كيف تتنفس وفي الوقت ذاته، إبطاء الأمور من حولك».

مُتحلِّياً بالإلهام والعزيمة، قرر مايكل مزج حبه في تصميم الأزياء مع رياضة الجولف في عمله المستقبلي؛ فجمع بين عشقه للخياطة وتصميم الملابس اليومية الجريئة والمميزة إلى عالم الجولف، ليؤسس علامة «Students Golf» في عام 2021، وهي تحمل طابع رياضة الجولف. وخلال عملية تدشين المؤسسة تولى مايكل مهمة التمويل والتسويق بنفسه. وتحاكي مجموعة ملابسه التي تراوح بين الملابس الثقيلة المزدانة بعبارات فكاهية، مثل «قسم إصلاح الطلاب أصحاب الضربات الفاشلة»، والقمصان المزدانة بهيكل عظمي مشتعل بالنيران حاملاً مضارب الجولف، حياته السابقة في عالم الأزياء بوصفه متعهداً لعلامات شهيرة مثل «ڤانس» و«بورتون» و«سوبريزم» و«بابلش» و«اسكيت شوب» (Sk8Shop). ومنذ أن بدأ بدراسة تصميم الأزياء على يد والدته عام 1998 (التي كانت مديرة إنتاج لعلامات تجارية مرموقة. مثل ناين ويست وبي سي بي جي)، استهل مسيرته المهنية بالعمل لدى شخصيات مرموقة، مثل «ذا ويك إند» و«كاني ويست».

يقول مايكل: «يجب أن تقوم بفرض هوية العلامة التجارية بنفسك، لأنه مع سير عملك على درب النمو، عليك أن تكون مدركاً لجميع جوانبه، ثم بعد ذلك يمكنك البدء بتوظيف الأفراد».

على نحو متصل، وفي عالم سوق التجارة الإلكترونية الذي نعيشه اليوم، أشار مايكل إلى أن مشروعه يركز على تقديم ما يحبه المستهلك بهوية مميزة تزدان بالتفاصيل، بدءاً من تغليف المنتج ووصولاً إلى رسوم الجرافيكس الخاصة بالموقع الإلكتروني. ومع تبني خطة مبيعات تمتد على 10 سنوات يقول مايكل: «عندما ترغب في البيع، لا تُشعر أحداً أنك بلغت نهاية الطريق، بل استمر وأظهر أن لديك الكثير والمزيد في جعبتك». أما بالنسبة لعلامة مايكل التجارية، تسير خطة المبيعات بسرعة كبيرة، حيث كان يخطط إلى طرح منتجاته الجديدة في 10 متاجر كحد أقصى، لكن بعد بضع اتصالات هاتفية، انتشر اسم مايكل بسرعة، وحال لسان الجميع يقول، هل عاد مايكل؟ لنقدم له الدعم! وهكذا، بشكل مفاجئ تحظى علامة «Students» اليوم بـ 125 حساباً، وهذا الرقم في ازدياد.

مع قراءتك القصص أعلاه، أصبحت تدرك الآن أنه لا يوجد طريق واحد للحصول على وظيفة أو عمل في عالم الجولف، خاصةً أنه يشهد تطوراً متزايداً ويتم طرح تقنيات جديدة كل يوم، فضلاً عن دعم الرواد للرياضة وفوائدها البيئية وإمكانية ممارستها. وسواء كنت خريجاً جديداً تبحث عن مسيرة مهنية جديدة، أو من محبي رياضة الجولف وتريد العمل في هذا المجال، فإن هذه القصص من شأنها أن تمدك بالإلهام اللازم لتحقيق أحلامك. لكن كما تقول آنجيلا موسر: «المخططات ما هي إلا حبر على ورق، لكن الجزء الممتع يكمن في قيادة الجرافة واللعب بالرمال».