«في المملكة العربية السعودية، لا نسعى فقط لمواكبة التطورات، بل نطمح إلى الريادة والإسهام بشكل محوري في هذا المجال».
مهّدت «جولف السعودية» منذ تأسيسها في عام 2018، العديد من الفرص للمجتمعين المحلي والدولي لتجربة رياضة الجولف واكتشاف فوائدها.
ومنذ ما يقرب من عامين، بدأ نوح علي رضا مسيرته مديراً تنفيذياً لـ «جولف السعودية»، إذ أصبح أحد أبرز الداعمين لرياضة الجولف على مستوى العالم. وفي إطار الاحتفاء بالإنجازات التي أسهم في تحقيقها، تسلط مجلة جولف دايجست الشرق الأوسط الضوء، عبر هذا اللقاء الحصري، على أحد أكثر المديرين التنفيذيين تأثيراً وإلهاماً في عالم الجولف.
مرّ نحو عامين منذ لقائنا الأخير؛ هل لك أن تحدثنا عن تجربتك مع «جولف السعودية» حتى الآن؟
نوح علي رضا: «كانت رحلة رائعة بكل المقاييس. إنه لشرف وامتياز أن أخدم المملكة العربية السعودية، وأن أعمل في مجال رياضة الجولف التي أعشقها. الجمع بين هذين الأمرين يجعل العمل أكثر إلهاماً على الصعيد الشخصي.
أرى أن شغف الناس بالجولف بدأ في النمو، حتى وإن كنا في المراحل الأولية من حيث عدد المشاركين، لكن لدينا خططاً كبيرة وطموحة.
لدينا فرصة مذهلة بفضل التسهيلات الجديدة نسبياً التي تتيح لنا إطلاق العنان للابتكار والإبداع. في المملكة العربية السعودية لا نسعى فقط لمواكبة التطورات، بل نطمح إلى الريادة والإسهام بشكل محوري في هذا المجال.
هذا النهج لا يقتصر على الرياضة فحسب، بل يشمل جميع المجالات، والجولف جزء منه. نحن محظوظون بقيادتنا الحكيمة ورؤيتها الملهمة، ونحن متحمسون لما يخبئه لنا المستقبل».
أعتقد أن الجميع يشعر بالحماسة الشديدة حيال ذلك؛ ماذا عنك؟ هل تشعر بالفخر لدورك البارز في تطوير لعبة الجولف على المستويين الاحترافي وإشراك الجمهور من مختلف أنحاء المملكة؟
نوح علي رضا: «بالتأكيد، إنه مصدر فخر كبير لي. هذا الدور يعكس رؤية جديدة ومبتكرة لعالم الجولف. لكوني لاعب جولف منذ الصغر، وبفضل الفرص التي حظيت بها لرؤية وتجربة لعبة الجولف في دول مختلفة، أعتقد أن هناك عنصرين رئيسين نسعى لغرسهما في المملكة العربية السعودية ومشهد الجولف المحلي، أولاً نريد أن نغرس مفهوم الأصالة في اللعبة أولاً وقبل كل شيء.
ثانياً الابتكار، حيث ندعو أفضل العقول في العالم لمساعدتنا في إحداث تغيير ودفع حدود اللعبة.
من خلال المبادرات التي تقودها المملكة العربية السعودية نعمل على تشكيل مستقبل الجولف بشكل مبتكر. ويشمل ذلك جميع جوانب اللعبة، بما في ذلك تصميم ملاعب الجولف وعلم الزراعة وتجربة الملاعب في جولات الجولف وتطوير مرافق التدريب وغيرها».
أعتقد أن شغفك برياضة الجولف له تأثير كبير في عملك؛ إلى أي درجة تحبها؟
نوح علي رضا: «إلى درجة لا يمكنك تصورها. لكن للأسف، وبسبب التزاماتي المتزايدة، أصبحت أمارس اللعبة أقل من السابق. السبب في ذلك هو أنني بدأت أكتشف وأحب جوانب أخرى من اللعبة لم أكن أوليها ذلك الاهتمام من قبل، مثل علم الزراعة وتصميم الملاعب والتفاني الكبير الذي يتطلبه تنظيم فعالية خاصة بالجولف وتجهيزها بشكل كامل والإحاطة بأدق التفاصيل. أود أن أقول إن هذا العمل ساعد في تحسين أسلوبي باللعب، لأنه كلما لعبت أقل، كان التفكير في مختلف الأمور أقل. لكن، هناك العديد من الجوانب المشوقة التي تميّز هذه الوظيفة».
كيف بدأ شغفك بالجولف؟
نوح علي رضا: «كنت محظوظاً للغاية بأن أول تجربة لي في الجولف كانت على مسار التدريب في نادي بيبل بيتش بكاليفورنيا. كنت برفقة والدي ووالدتي وإخوتي السبعة. في نهاية اليوم، لم يبق سوى والدي وأنا. وكما هي الحال مع الجولف، إذا شعرت بالشغف تجاه اللعبة، فإنها تتحول إلى هوس يقودك نحو تحقيق الكمال. قد يتطلب الأمر وقتاً طويلاً، خاصة عندما تمر بجولات سيئة، أو تعمد إلى ضربات سيئة؛ فتتساءل في نفسك لماذا إضاعة الوقت؟
لكن لاحقاً، وعندما تنظر إلى الوراء، تدرك أن هذه الرحلة علمتك الكثير من الدروس، مثل الصبر والمثابرة والعزيمة، وهي صفات مهمة لتطوير شخصية أي فرد، وأود أن أقول إنني تعلمت الكثير عن الحياة من خلال جولات الجولف.
مرة أخرى، عند النظر إلى الوراء أرى أن لعبة الجولف كان لها تأثير كبير في حياتي، وأعتقد جازماً بأن هذا الإحساس يوجد لدى كل لاعب. أعتقد أنها لعبة تتطلب عقلاً قوياً وإيجابياً.
عندما تلتقي بلاعب جولف شاب، تجده في معظم الأحيان أكثر نضجاً من عمره، بسبب التحديات والضغوط التي يواجهها في هذه الرياضة. هكذا بدأت رحلتي مع الجولف. إنها لعبة ترافقك مدى الحياة، وتمنحك ميزة اللعب حتى في سنوات متقدمة من العمر. لذلك، ما دمت قادراً على الوقوف على قدمي، آمل أن أستمر في تسديد الكرات!».
بعيداً عن الجانب الاحترافي للعبة، وكما تحدثنا بشكل مختصر، يبدو أن هناك استراتيجيات وخطط تطوير عدة يتم وضعها من أجل تعزيز الرياضة في المملكة؛ هل هذا صحيح؟
نوح علي رضا: «بكل تأكيد.. يمكن تلخيص جهودنا الحالية كافة في كلمة واحدة، هي «الوصول». أذكر في أول مقابلة لي مع مجلة جولف دايجست الشرق الأوسط، كان «الوصول» هو المحور الرئيس في السعودية، ولا يزال كذلك. نحن نواصل العمل على بناء اقتصاد مستدام ومستمر للجولف. كما نعلم جميعاً، يُعد الجولف قطاعاً مستقلاً بحد ذاته.
في الولايات المتحدة الأميركية، تبلغ قيمة السوق السنوية للجولف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، نحو 225 مليار دولار أميركي. إنه اقتصاد مستدام يديره القطاع الخاص ويحقق جدوى تجارية. هدفنا في «جولف السعودية» يكمن في تحقيق الهدف ذاته؛ الاستدامة والجدوى التجارية.
في هذه المراحل المبكرة نعمل بوصفنا محفزاً وحاضناً ومسرعاً لمكونات سلسلة القيمة في الجولف. نسعى لتمكين مختلف أصحاب المصالح ليصبحوا لاعبين رئيسين في تأسيس هذا النظام المستدام. وندرك جيداً أن البدايات تتطلب الكثير من الجهود من جانبنا لإنشاء منظومة حيوية متعددة الأطراف، تشمل القطاعين العام والخاص، فضلاً عن المستثمرين المحليين والدوليين ومطوري العقارات وغيرهم.
كل ما نقوم به يرتبط بشكل مباشر برؤية المملكة العربية السعودية 2030. نحن في الوقت الراهن نضع اللمسات الأخيرة على استراتيجيتنا، حيث نقوم بتحديد إسهامات مختلف مبادراتنا في إجمالي الناتج المحلي، والقدرة على توفير فرص العمل، وزيادة المشاركة، وتحسين جودة الحياة، وحماية البيئة وتعزيز الاستدامة. وآمل في لقائنا المقبل أن أتمكن من مشاركة الأرقام التي ستساعدنا على تحقيق أهدافنا بحلول عام 2030.
عمدنا مؤخراً إلى الإعلان عن شراكة مع «توب جولف»، حيث نعمل على إطلاق ثلاث منشآت؛ واحدة في الرياض، وأخرى في المنطقة الشرقية، والثالثة في جدة، إذ إن «توب جولف»، كما رأينا حول العالم، تعد أحد أبرز المساهمين في أي اقتصاد خاص برياضة جولف، وهذا يتجلى في حقيقة أن %10 من لاعبي الجولف الجدد في الولايات المتحدة الأميركية بدأوا ممارسة اللعبة من خلال «توب جولف».
إذا نظرت إلى كل ذلك بوصفه جزءاً من خطواتنا لبناء نظام بيئي لرياضة الجولف، فإن «توب جولف» تشكّل عنصراً رئيساً في تحفيز الطلب على الرياضة.
كما نعمل أيضاً بالتوازي على تطوير أنواع أخرى من المرافق، مثل ميادين التسديد ومراكز التدريب المصغرة التي ستكون متاحة لمجتمعات المناطق الحضرية الداخلية».
هل يُدرك العالم حجم الخطط والمشاريع التي تُعدها المملكة العربية السعودية؟
نوح علي رضا: «هنالك العديد من المبادرات والمشاريع التنموية التي أرغب في الحديث عنها، ولكن بما أنها لا تزال طور التخطيط ولم تُنفذ بعد، لا أستطيع الكشف عنها في الوقت الراهن. ما يمكنني تأكيده، هو أننا نعمل قدر الإمكان على الاستفادة من التقنيات المتاحة لتحسين تجربة عبة الجولف، حيث تصبح أكثر متعة، ليس فقط للمجتمع السعودي، بل لمحبي الرياضة على مستوى العالم أيضاً».
ما دور صندوق الاستثمارات العامة وأرامكو في الارتقاء وتعزيز لعبة الجولف؟
نوح علي رضا: «دورهما مهم للغاية، ليس على مستوى الرياضة بشكل عام، بل في رياضة الجولف بشكل خاص. لقد كانا شريكين رئيسين وداعمين رائعين للعديد من الفعاليات التي يتم تنظيمها محلياً وعالمياً. ونحن نواصل تعزيز الروابط بيننا وتهيئة الفرص بما يصب في مصلحة الجميع.
مؤخراً، خلال سلسلة بطولات أرامكو للفرق، قدمنا منصة لتمكين الأعمال، وذلك من خلال ربط جميع فعالياتنا مع مبادرة مستقبل الاستثمار، إلى جانب وزارة الاستثمار السعودية.
طرحنا هذا النموذج ليشمل دولاً، أمثال الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والصين وكوريا، واستضفنا عدداً من كبار أصحاب المصالح الذين شاركوا في الفعاليات وألقوا الخطابات وأداروا حوارات مثمرة.
ثمة فرصة غير مستغلة تتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي والخارجي. نحن نسمع عن صفقات تُبرم نتيجة لتلك اللقاءات التي تتم خلال فعاليات الجولف الخاصة بنا، ونحن نعمل على تعظيم هذا الدور.
نسعى دائماً إلى رفع مستوى لعبة الجولف لتكون وسيلة للتواصل وتعزيز الأعمال والثقافة والرياضة والبيئة. وهذه العناصر تميز جميع الداعمين، سواء «أرامكو» أو صندوق الاستثمارات العامة أو شركاءنا الآخرين».
وما التطلعات المستقبلية لـ «جولف السعودية»، وهل نحن بالفعل نعيشها في الوقت الحاضر؟ وكيف ستبدو الصورة النهائية لهذا التطور؟
نوح علي رضا: «الهدف واضح، ونحن نمضي بخطوات ثابتة نحو تحقيقه، لكن الجزء الأهم هو التفكير خارج الصندوق واتباع نهج مبتكر.
بالعودة إلى مفهوم «الريادة» وضرورة تحقيق قفزة نوعية، من المهم كمنظمة ونظام بيئي أن نضمن أن كل ما نقوم به يتحدى الوضع الراهن ويعتمد الابتكار في كل خطوة. ويظهر ذلك جلياً في إنهاء عملية التحول التي استغرقت 90 يوماً لنادي الرياض للجولف وبنيته التحتية الذي يحتضن اليوم أبرز البطولات الدولية.
أشعر بفخر كبير للعمل مع فريق سعودي تمكن من إنجاز هذا المشروع من الألف إلى الياء، بدءاً من التصميم الداخلي والهندسة المعمارية ووصولاً إلى تنسيق المسطحات الخضراء والإدارة الزراعية. إن قدرتنا على تطوير هذا المشروع وتنفيذه تعكس الإمكانات التي يمكننا تحقيقها في المستقبل».