حقوق الصور محفوظة – جايكوب سومان وبرايان مورغان / تقدمة من ملعب ترامب إنترناشيونال
من أبردين بدأ ستيوارت ماكلين سرده، من أرضٍ احتضنت حُلماً نُسِج من رمال الساحل الاسكتلندي؛ هناك شيّد دونالد ترامب تحفة من 36 حفرة، تتداخل فيها هندسة البشر مع شاعرية الطبيعة في مشهد يعِدُ بتجربة تأسر الحواس.
شكّلت حقول النفط والغاز في بحر الشمال العمود الفقري لاقتصاد مدينة أبردين حتى وقت قريب، قبل أن تتحول «مدينة الغرانيت» اليوم، بفضل دونالد ترامب، إلى واحدة من أبرز وجهات الجولف في اسكتلندا، مع اكتمال بناء ملعب من 36 حفرة في نادي ترامب إنترناشيونال جولف لينكس. وقد زار ترامب مؤخراً اسكتلندا ليشرف على افتتاح أحدث إضافاته في عالم الجولف، إذ يتقاسم الملعب الجديد الأرض الساحلية المهيبة نفسها مع الملعب القديم على الساحل الوعر شمال أبردين. وكما هي عادة ترامب، فهو يصف الموقع بكونه «أعظم ملعب من 36 حفرة في عالم الجولف».
لعل استخدام مصطلحي «القديم» و«الجديد» في الجولف للملعبين يُذكّر مباشرة بسانت أندروز، مهد رياضة الجولف، حيث يعود «الملعب القديم» فيها إلى القرن الثامن عشر، فيما افتُتح «الملعب الجديد» الذي صممه أولد توم موريس في عام 1895. واستلهم فريق العمل بنادي ترامب هذين اللقبين البسيطين للملعبين في بالميدي لصياغة هوية واضحة يسهل على لاعبي الجولف تذكرها. فـ «القديم» يعود إلى عام 2012، و«الجديد» إلى عام 2025.
وتجلت فخامة نادي ترامب إنترناشيونال أمام جمهور عالمي في أغسطس الماضي، عندما استضاف الملعب القديم للمرة الأولى بطولة نيكسو، إحدى فعاليات جولة دي بي وورلد. وأثبت الملعب أنه اختبار حقيقي حتى لأمهر لاعبي الجولف، إذ تمكن تسعة لاعبين فقط من إنهاء البطولة بضربات تحت المعدل، وكان الفوز من نصيب الاسكتلندي غرانت فوريست الذي تمكّن بفضل خبرته في التعامل مع تحديات الملعب المحلية من التفوق.
خلال زيارة ستيوارت ماكلين بعد أسابيع قليلة من استضافة البطولة، أيقن أن ملعب «ترامب القديم» من أكثر الملاعب صعوبةً، مقارنة بالملاعب التي اختبرها حول العالم. كانت جولة «أقرب إلى معركة للبقاء». ومع ذلك، لن يمانع في العودة إليه للعب مستقبلاً، فقد منحته التجربة أجواء مشوّقة وممتعة. ويتابع ستيوارت سرد تجربته:
أثار انتباهي أن السكان المحليين يبدون تردداً واضحاً عند سؤالهم عن طبيعة اللعب في «ترامب إنترناشيونال»؛ فبينما توصف الملاعب الأقدم في أبردين بأنها «لينكس تقليدية»، يرى البعض أن ملعَبي ترامب، «القديم» و«الجديد»، يبدوان «مصطنعين». لكن في الواقع، ينتمي الملعبان إلى طراز «لينكس» الأصيل، غير أن أسلوب اللعب فيهما مختلف لأنهما جديدان، وما زالا في طور ترسيخ سمعتهما. وربما، بعد خمسين عاماً من الآن، سيُنظر إليهما بوصفهما ملعبين تقليديين كما يحدث مع أي ملعب كلاسيكي.

أجواء مثالية لإقامة البطولة المفتوحة
رغم التحديات الفريدة التي تفرضها أجواء الملعب القديم، إلا أنه المكان المثالي لاستضافة البطولة المفتوحة، واختبار مهارات أفضل لاعبي الجولف، لكنه في الوقت ذاته، يواجه قيوداً تمنعه من أن يصبح جزءاً من سلسلة ملاعب البطولة المفتوحة؛ فاستيعاب الحشود الغفيرة يشكّل تحدياً هائلاً وسط تلك المرتفعات الساحلية المكتظة. وسوف يضطر المتابعون إلى السير بمحاذاة جوانب مسار اللعب، وسط العشب الخشن وأنواع من النباتات الشائكة، مثل «المكنسة» و«الخَزَم (Heather)» وغيرها التي تحد من الحركة تماماً، بينما تختفي كرات الجولف بسهولة بين تلك النباتات الكثيفة.
لكن الملعب الجديد في ترامب إنترناشيونال لن يبقى في ظل الملعب القديم كما هي الحال في سانت أندروز. إنه تصميم مبتكر يختلف عن الملعب القديم بشكل كبير، رغم أنه يشق طريقه هو الآخر في التلال والمرتفعات، وهي السمة الدرامية البارزة للموقع. وقد صمم مارتن هوتري الملعب القديم بوصفه ملعباً لإقامة البطولات؛ أما الملعب الجديد فيتميز بهوية خاصة لا تقل إمتاعاً. ولحسن الحظ، أنه حظي بفريق تصميم مختلف، وهو اتجاه سائد اليوم في العديد من المرافق متعددة الملاعب. وفي حال كنت تنوي زيارة بالميدي، عليك اللعب في الملعبين معاً؛ فهما يكملان بعضهما على نحو مثالي. أما أن تلعب في أحدهما دون الآخر فهذا يعني أنك تُفوّت على نفسك الكثير.
أعترف بأن اللعب في الملعبين معاً يجعل الجولة مكلفة، إذ تراوح رسوم اللعب لكل مسار بين 396 جنيهاً إسترلينياً (خارج أوقات الذروة) و495 جنيهاً إسترلينياً (مع مرونة في الأسعار صيفاً). وقد أصبحت رسوم ملاعب لينكس الراقية في اسكتلندا مرتفعة على نحوٍ كبير بفعل تزايد الطلب من السوق الأميركية على ما يُعرف بوجهات «قائمة الأمنيات». فعلى سبيل المثال، تبلغ رسوم ملعب كينغزبارنز قرب سانت أندروز 450 جنيهاً إسترلينياً.
في ظل هذه الأسعار، ليس مستغرباً أن يبدو فقدان بعض كرات الجولف في هذه الملاعب أمراً سهلاً. لقد أضعت 12 كرة خلال جولتين فقط، وهذا ببساطة لأنني عاجز عن تسديد الكرة مباشرة إلى المنطقة الخضراء من ضربة البداية. فبعض المسارات شاسعة للغاية، والبعض الآخر أقل اتساعاً، خاصة الحفر الافتتاحية في كل ملعب. كما أن الجميع يبدؤون عند الحفرة رقم 1، رغم أن الملعب القديم يتكون من تسع حفر. أما الملعب الجديد فقد صُمم بنظام ذهاب وعودة، مع استراحة في منتصف الطريق تقع بين الحفرتين السابعة والخامسة عشرة، لتمنح اللاعبين فرصة لالتقاط الأنفاس والاستعداد لبقية الجولة.

حفر افتتاحية لن تحبها!
يبدأ كل من الملعبين بحفرتين بمعدل 5 ضربات تحت المعدل من تلٍّ مرتفعة، وقد وجدت هذا الأمر مُربكاً قليلاً بوصفها حفراً افتتاحية في صباح اسكتلندي جميل. ومع ذلك، فإن هذه البداية لا تعكس ما سيأتي لاحقاً؛ فمع التوغل في اللعب تتسع المسارات تدريجياً، ما يعزز ثقة اللاعب بنفسه، خاصة في الحفر النهائية للملعب الجديد، حيث المسارات شاسعة للغاية. بالنسبة لي، كنت أُفضل أن أحظى بهذا الاتساع في ضربة البداية، أثناء تدريبات الإحماء.
في السياق ذاته، طول الملعبين متقارب، لا سيّما عند اللعب من منصات الرجال الثلاث الأمامية، إذ تتوافر ستة خيارات لبداية اللعب إجمالاً، بما في ذلك الخيار الأحمر المخصص للسيدات. وتبدو منصات البداية باللون الأسود صعبة للغاية، لكنها تستحق التفكير فيها لقياس مستوى التحدي الذي ينتظر اللاعب، وحتى المنصات الذهبية بطول يقارب 6500 متر، قادرة على إرباك اللاعبين الجدد. ويحمل الملعب القديم تصنيف مسار (Course Rating) يبلغ 76.3 وتصنيف انحدار يبلغ 149، بينما يبلغ تصنيف الملعب الجديد 74.9 وانحداره 143، وذلك للمنصات الذهبية. وتشير هذه الأرقام إلى مستوى تحدٍ عالٍ يجعل كل حفرة اختباراً حقيقياً للمهارة والتركيز. ومن المنصات الخلفية الأكثر تقدماً في الملعب القديم، يصل الانحدار من منصة البداية الأكثر تقدماً في الملعب القديم إلى 130.
خُضتُ تجربة اللعب في الملعبين، القديم والجديد، في أيام منفصلة، وأؤكد للجميع عدم محاولة اللعب فيهما في يوم واحد، إلا إذا كنت ممن يعشقون التحديات الصعبة. بالنسبة لي، استمتعت بالاختلافات والتحديات الفريدة في كل منهما. لم يصمم مارتن هوتري الملعب الجديد، إذ اقتصر دوره على تقديم الاستشارة في مشروع كان ثمرة تصميم مشترك للمعماري السويدي كريستيان لوندين (الذي يعمل مع هنريك ستنسين) والمعمارية الكندية كريستين فريزر. وقد أشرف على المشروع إيريك ترامب، النجل الثاني لدونالد ترامب من زوجته الأولى.
وتشمل الاختلافات في الملعب الجديد مناطق رطبة عبر الحفر الست الأولى على نحو واسع؛ وعدد من الحفر الرملية (Bunkers) أقل؛ ومسطحات خضراء فسيحة على نحو استثنائي أقرب ارتفاعاً، مقارنةً بكثير من الأسطح المُرتفعة في الملعب القديم.
خلال الحفر الست الأولى يشغل هذا الملعب قطعة أرض مستوية في الداخل، مقارنة بالنصف الأمامي من الملعب القديم الذي يعانق الساحل، قبل أن يتحول إلى مشهد مذهل من التلال جنوب الملاعب الأخرى. وتشكّل سلسلة الحفر من 7 إلى 14 جوهرة تاج هذا التصميم.

جوهرة التاج
تأتي الحفرة رقم 7 (3 ضربات تحت المعدل) على نحوٍ غير متوقع قياساً بما سبقها. تقع مسطحات اللعب الخضراء على ارتفاعات أعلى من ضربة البداية على منحدر تل، وتتناثر المصائد على سفح التل المؤدي إليه. فهي ضربة بداية مثيرة ترفع مستويات الأدرينالين لديك، وستظل مرتفعة لبعض الوقت.
واحدة من السمات الآسرة في ملعبي ترامب، مسارات المشي عبر الكثبان الرملية من مسطحات اللعب الخضراء إلى منصات ضربة البداية. وهي ليست مسافات قصيرة، إلا إذا انطلقت من المنصة السوداء، لكنها غير مرهقة. وعند لعب كل حفرة، لا ترى الحفر التالية، ما يجعل التجربة كلها مفعمة بالإثارة. وهناك لافتات خشبية تشير إلى مواقع ضربة البداية الست؛ ويشير سهم نحو المنصتين السوداء والذهبية، وآخر نحو المنصات الزرقاء والبيضاء والخضراء والحمراء. ولا تتكشف ملامح كل حفرة تماماً إلا عندما تطأ قدماك أرض منصة ضربة البداية.
كان اجتياز قمة التل من عند الحفرة رقم 7 إلى منطقة ضربة البداية للحفرة رقم 8 ذروة التجربة. دخلت إلى أروع مشهد طبيعي للتلال، وبانوراما لينكس منبسطة أمامي. لمحت هنا وهناك ممرات خضراء زمردية وحفراً رملية تتناثر عبر واد من التلال. كانت لحظة حسية لا أستطيع فيها تجاهل هذه التجربة البصرية الرائعة، ثم كان عليّ تسديد ضربة بداية بالغة الصعوبة.
ضمن هذه الحفر السبع، هناك ست حفر بأربع ضربات تحت المعدل، وحفرة واحدة قصيرة بثلاث ضربات تحت المعدل، وهي الحفرة رقم 12 التي تختبئ فوق مطل على الشاطئ. باعتقادي فإن هذه الحفر وحدها هي مكمن جاذبية اللعب في الملعب الجديد. كل واحدة منها رائعة وقابلة للعب على نحو مميز. أما الحفرة رقم 10 هي الوحيدة القصيرة من فئة أربع ضربات تحت المعدل في الملعب الجديد، وتبعد نحو 235 متراً من نقطة البداية الزرقاء الوسطى، حيث يتم تسديد ضربة البداية من منصة مرتفعة تشرف على المحيط. وتوجد مسطحات اللعب الخضراء على قمة حافة، فيما ينساب المسار بين نقطة البداية والحفرة نحو الجانب الأيسر من الحفرة. ومن يسعى للوصول مباشرة إلى المنطقة الخضراء، فإن عليه عبور مسار تنتشر فيه النباتات الخشنة والنتوء الرملية، ما يجعل من تجربة اللعب مثالاً حقيقياً على المخاطرة والمكافأة في أبسط صورة.
وتأتي استراحة منتصف المسار في موضع مثالي تتيح للجميع التوقف لتناول المُرطّبات بعد ست حفر، ثم يمكن إعادة النشاط مجدداً بعد ثماني حفر قبل خوض الحفر من 15 حتى 18 الأخيرة، وهي حفر طويلة نسبياً من حيث تباعد المسافات، 550 متراً، و225 متراً، و425 متراً، و500 متر. وتقع الحفرة 18 (5 ضربات تحت المعدل) فوق تل يفضي إلى منطقة خضراء هائلة كأنها تمتد إلى ما لا نهاية، تُطل منها على منشآت التمرين الحديثة ومبنى لاستراحة اللاعبين. وتُختتم الجولة بالسير طويلاً عبر النزول إلى موقف السيارات. كان من الأفضل توفير خدمة عربات الجولف بعد الحفرة رقم 18 لتسهيل عودة اللاعبين إلى موقف السيارات.

«جولف لينكس» في أبردين
يُعد رويال أبردين سادس أقدم نادٍ للجولف في العالم، حيث تأسس في عام 1780، بينما شُيّد موركار لينكس في عام 1909، وهما ملعبان ساحليان تقليديان يقعان إلى شمال «مدينة الغرانيت»، وعلى بُعد 15 كيلومتراً جنوب نادي ترامب إنترناشيونال. يفصل بينهما السياج، وفي كل عام تقام بينهما مباراة تبدأ من نادي رويال أبردين، حيث يلعب الأعضاء الحفر التسع الأولى في رويال أبردين، قبل عبور السياج والانتقال إلى الحفرة الثانية أو الرابعة في موركار لينكس لمتابعة الجولة ولعب الحفر التسع الأخيرة، حيث تنتهي المنافسات في نادي موركار.
جدير بالذكر أن يوفان ريبولا، ابن شقيقة إرني إلس، فاز بلقب بطولة بريطانيا لهواة الجولف في عام 2018 في ملعب رويال أبردين.

إلى ذلك، يوجد في وسط المدينة ملاعب جولف على الطراز التقليدي (لينكس) تابعة للبلدية وتضم 18 حفرة، هما «كينغز لينكس» و«بالناغاسك»، ويتميزان بمسارات لعب سهلة وسريعة، وهما يحظيان بشعبية كبيرة بين السكان المحليين، حيث يمكن اللعب فيهما لقاء رسوم بسيطة تبلغ 33 جنيهاً إسترلينياً. وغالباً ما تكون رياضة الجولف نشاطاً عائلياً، فقد لاحظت لاعبين يسيران بحقائبهما حاملين مضاربهما، وإلى جانبهما شابة تدفع عربة طفلها. وبينما تبدو أرض «كينغز لينكس» مسطحة نسبياً، مقارنة بملعب بيتودري لكرة القدم، يتسم «بالناغاسك» بتضاريس أكثر تشويقاً، حيث يمتد عبر ربوة تطل على مدخل ميناء أبردين عند نهر دي.








