أسرت قصة ماركو بينج المتابعين بقوة؛ فبعد أن كان على موعد مع خسارة بطاقته في جولة دي بي ورلد قبل اثني عشر شهراً، تمكن اللاعب الإنجليزي البالغ من العمر 27 عاماً من تحويل خساراته هذا الموسم إلى ثلاثة انتصارات في الجولة ذاتها، وانطلق وراء روري ماكلروي في «السباق إلى دبي»، بينما حجز في الوقت ذاته بطاقة التأهل للمشاركة في جولة رابطة لاعبي الجولف المحترفين الأميركية للموسم المقبل.

بعد هذا الموسم الحافل، وصل بينج إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لخوض نهائيات دي بي ورلد، حيث تبدلت مسيرته على نحو سريع، بينما يطمح للتفوق على المصنف الثاني عالمياً روري ماكلروي، والفوز بكأس كأس هاري فاردون.

يقول بينج عن روري ماكلروي: «بالنسبة لي يُعد قدوة، ويُلهمني كثيراً. وأنا مسرور لأنني سوف أواجهه مباشرة. لنرى ما سيحدث».

كان صعوده مذهلاً بالنسبة للاعب كافح قبل عام واحد، للمحافظة على بطاقة مشاركته في جولة دي بي ورلد في كوريا. واحتاج بينج إلى تسجيل ضربة تحت المعدل (بيردي) في الحفرة الأخيرة من بطولة جينيسيس عام 2024 ليضمن المشاركة في اللعب. وأضاف بينج: «ربما مثّل ذلك اليوم أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالتوتر في حياتي. لكن عندما سددت الكرة في الحفرة، أدركت أن مكاني هنا».

لم تقتصر التحديات على الملاعب وحسب، بل واجه ماركو بينج ظروفاً صعبة، بما في ذلك جراحة في الركبة، وابتعاد قسري عن المنافسات، وغيرها الكثير كادت أن تُنهي أحلامه، مثل أي لاعب آخر. لكن ماركو أوضح أنه حوّل هذه الصعوبات إلى مُحفّز قوي يدفعه للأمام، وأضاف: «أؤمن بأن سرّ تميزي يكمن في عقليتي؛ في قدرتي على النهوض مجدداً بعد تقبّل العثرات. فالإحساس بالانتصار بلا شك رائع، لكنه يجلب معه إرهاقاً ذهنياً. ومع ذلك، أعشق التحدي، وأجد متعتي في إثبات خطأ من يشككون بي. هذه هي حكايتي باختصار، ولهذا أمارس هذه اللعبة».

لقد لفت بينج الأنظار بعد مسيرة متميزة في فئة الهواة، واحترف الجولف في عام 2017، غير أنه بدأ في ترك بصمة قوية في اللعبة فعلياً في عام 2023، عندما فاز بالبطولة المفتوحة للجولف في البرتغال على نادي رويال أوبيدوس، وذلك قبل أن يتم تتويجه بعد ستة أسابيع بلقب نهائي جولة سلسلة رولكس للجولف المرموقة في مايوركا بإسبانيا. ونجح بذلك في اعتلاء صدارة تصنيف «الطريق إلى مايوركا» لجولة «هوتيل بلانر»، وتمهيد الطريق للمشاركة في بطولة «دي بي ورلد». يقول بينج: «وجدت صعوبة في تصديق نفسي وأنا أعلن عن فوزي مرتين وأنني أنهيت الموسم في الصدارة. لم يستوعب عقلي ذلك تماماً، غير أنني كنت في غمرة الشعور بالسعادة».

حقوق الصور محفوظة – هاينان كلاسيك، أوراسيا للصور الرياضية / Getty Images

بدأ بينج مشاركته الأولى في جولة دي بي ورلد تحت ضغط كبير، حيث انتهى بلمحة تظهر قدرته على الأداء القوي، بعد أن تجاوز الحد المؤهل عشر مرات فقط طوال الموسم. ومع ذلك، كان هذا كافياً في نهاية المطاف للمحافظة على بطاقته للمشاركة في كوريا، ومنحه فرصةً للعب مجدداً في عام 2025.

وكأن ذلك التوتر لم يكن كافياً، فقد أدى خرقه لوائح جولة دي بي ورلد إلى إيقافه خلال فترة الشتاء، أي قبل اثني عشر شهراً.

يقول بينج: «عندما علمت أنني لن أتمكن من لعب الجولف لبضعة أشهر، شرحت الوضع مع فريقي، وأوضحت لهم أن ما جرى قد جرى؛ لكن كيف يمكننا أن نعود أقوى مما كنا عليه؟».

وأفاد بينج بأن خطته كانت تشمل تحسين أدائه على كل المستويات، وبناء ثقة كافية للصمود طوال الموسم. وعاد بينج إلى جولة دي بي ورلد في فبراير من العام. الحالي، محققاً ثلاثة مراكز ضمن العشرين الأوائل على التوالي، قبل أن ينجح بإحراز اللقب الذي شكّل نقطة فارقة في بطولة هاينان كلاسيك في أبريل، متقدماً على منافسيه بثلاث ضربات.

وأضاف بينج: «كان ذلك أكثر ما رغبت في إثباته لنفسي وللجميع بعد فترة غيابي، أن أُظهر لهم حقيقتي؛ اللاعب الذي أنا عليه»، ثم أتبع ذلك بفوزٍ آخر في إطار الجولة الأوروبية من دي بي ورلد التي أقيمت في الدنمارك، حيث أنهى المنافسة بضربة واحدة تحت المعدل رائعة، ليحسم اللعبة ويتفوق على مواطنه راسموس هويغارد. يقول بينج: «كان أدائي رائعاً خلال الموسم للعام الحالي. من المدهش أن أعود بعد استبعادي من اللعب، والفوز بهذه السرعة، وتحقيق ما حققته منذ ذلك الحين».

قبل أسابيع قليلة، أي قبل إرسال هذا العدد للطباعة، حصد بينج لقبه الثالث للموسم في جولة دي بي ورلد، بعد أن تغلب على مواطنه دان براون في جولة فاصلة في البطولة المفتوحة للجولف بإسبانيا في إطار الجولة الأوروبية التي تم تنظيمها في مدريد، لينال بطاقة المشاركة في البطولة المفتوحة للجولف ببريطانيا في نسختها رقم 154، فضلاً عن المشاركة في بطولة «ماسترز» للموسم المقبل.

حقوق الصور محفوظة – بطولة جينيسيس 2024، شونغ سونغ – جون / Getty Images

يقول بينج: «من الرائع أن أُكمل بقية الموسم وأن أعلم أنني مشارك في بطولة «ماسترز»، بعد فوزي ببطولة إسبانيا المفتوحة، وتحقيق ثلاثة انتصارات هذا العام، والمشاركة في البطولة المفتوحة، فأنا ممتن جداً لهذه الفرص. لم أكن لأتخيل ذلك قبل ستة أو سبعة أشهر فقط. لكنني فعلتها. والآن عليّ أن أستمتع بهذا الفوز دون أن أفقد هذا الزخم. أريد الاستمرار في تحقيق المزيد. هكذا أنا ببساطة؛ أحب لعب الجولف، وروح المنافسة، وأحب أن أتحدى نفسي».

لقد منحت هذه الألقاب الثلاثة ماركو بينج فرصةً للتنافس جنباً إلى جنب مع أفضل لاعبي العالم على نحوٍ متكرر. في هذا الصدد يقول بينج: «أجد نفسي أراقب عن كثب كيف يتصرف كبار اللاعبين على أرض الملعب؛ فبعضهم يتميز بالدقة والاهتمام بالتفاصيل، في حين يتمتع آخرون بهدوء مطمئن وثقة عالية. وأنا أحاول التعلم منهم وأن ألتقط كل ما هو مفيد، وأستوعب الدروس القيّمة لأدمجها في أسلوبي الخاص، فهذه الملاحظات الصغيرة هي التي تصقل أدائي وتدفعني نحو التطور بشكل مستمر».

وأضاف بينج: «لكل لاعب أسلوبه الذي يميزه. مات فيتزباتريك دقيق جداً في تحضيراته، ثم هناك من هو مختلف قليلاً، مثل داستن جونسون الذي لعبت معه مؤخراً في بطولة لينكس ألفرد دنهيل».

وهكذا، يتسم بعض اللاعبين بالهدوء الشعديد، بينما يتمتع آخرون بشدة التركيز والحماسة. لقد ساعدت هذه الملاحظات، مقرونة بطابع شخصية ماركو بينج، على اجتياز مواقف تعرض خلالها لضغط كبير على مدار الموسم. وشكّلت العائلة قوة توازن راسخة في حياة بينج. فزوجته صوفي، وهي لاعبة جولف محترفة بدورها، وابنهما إنزو البالغ من العمر ثمانية عشر شهراً، يمنحانه الحافز المطلوب بينما يجوب العالم، يقول بينج: «ليس بالأمر السهل أن أسعى لأصبح أفضل لاعب جولف ممكن، وفي الوقت ذاته أحاول أن أكون الزوج والأب المثالي. لقد تعلمت مع الزمن كيفية الموازنة بين هذين العالمين؛ ففي خلال أسابيع البطولات، حين يكون ابني إلى جانبي، أحرص على أن أقضي الأمسيات معه، وأن أترك مضارب الجولف جانباً، وأن أغمر نفسي بالكامل في لحظاتنا المشتركة بعيداً عن ضجيج المنافسة وضغط الأداء». ويتابع بينج: «إن مشاهدة مقاطع فيديو لإنزو وهو يضحك قبل جولة اللعب تمنحني قوة داخلية».

حقوق الصور محفوظة – بطولة الدنمارك للجولف 2025، جان كروغر / Getty Images

في الوقت الراهن، ومع دخول موسم «السباق إلى دبي» المنعطف الأخير، يركز ماركو بينج أنظاره على الشرق الأوسط. وسوف تستضيف أبوظبي ودبي التصفيات النهائية، وهو يتوق لاستثمار كل فرصة للتقدم في الترتيب، مشيراً إلى أنه يركز على نفسه فقط، ويحاول المحافظة على تقديم موسم متميز بأفضل صورة ممكنة؛ يقول بينج: «أريد تحقيق المزيد من الانتصارات، وأن أكون ضمن الخمسة الأوائل. أما في ما يخص مواجهة ماكلروي، فلا أستطيع أن أطلب أكثر من ذلك. أريد حقاً أن ألعب معه في أبوظبي ودبي».

لقد أصبح الشرق الأوسط مسرحاً مهماً لطموحات بينج؛ فمشاركته مرة أخرى في بطولات سلسلة رولكس المقبلة على ملعبي ياس لينكس وعقارات جميرا للجولف، فرصة قلّ مثيلها لاختبار أدائه أمام نخبة لاعبي العالم، وعرض مستواه في منطقة أصبحت مرادفاً للجولف العالمي الطراز. يقول بينج: «اللعب هنا يحمل طابعاً استثنائياً؛ الملاعب والجماهير والأجواء، كلها تتناغم لتشكل تجربة فريدة من نوعها. إنه أحد تلك الأماكن التي يمكن للإنسان أن يستشعر فيها الطاقة، ويرغب في تقديم أفضل ما لديه».

صعود ماركو بينج خلال الموسمين الماضيين، لم يكن مجرد رحلة لتحسين أدائه بوصفه لاعب جولف، بل كان كذلك رحلة عميقة نحو النضج الشخصي، سواء داخل الملعب أو خارجه. يقول بينج: «لقد مررت بالكثير منذ الصغر؛ مثل الابتعاد عن المنزل في سن مبكرة، والزواج، وأن أصبح أباً، وجراحة الركبة، وتجاوز تأثيرات جائحة كوفيد – 19. لقد أثر فيّ كل ذلك. اليوم أنا رجل راشد، وأدرك أن الاحتراف لا يقتصر على الرياضة وحدها، بل يمتد ليشمل كل جانب في حياتي».

حقوق الصور محفوظة – البطولة المفتوحة – إسبانيا 2025، ستيوارت فرانكلين / Getty Images

وأضاف بينج: «لست ممن يركضون وراء بريق الشهرة. أنا مجرد رجل بسيط يحب عائلته وأصدقاءه ويقدر الفرص التي أُتيحت له في حياته. هذا هو الجوهر، أن تبقى متزن العقل ومتواضعاً». ويتابع: «بالطريقة التي ألعب بها اليوم، والشخص الذي أراه في نفسي الآن، أشعر أنني جاهز لأحاول الفوز بالمزيد في جولة دي بي ورلد، وأن أنافس أكثر في البطولات الكبرى. ومع ذلك، أعلم أن الطريق أمامي لا يزال طويلاً، إذ إن هناك الكثير لأتعلمه في كل خطوة».

ومع استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة منافسات التصفيات الختامية لجولة دي بي ورلد، ثمة فرصة أمام ماركو بينج لترسيخ مكانته ليس بوصفه فائزاً وحسب، بل منافساً على أحد أرفع الجوائز الممتدة على مدار الموسم، وأن ينضم إلى صفوف اللاعبين الإنجليز الذين يتصدرون مشهد «السباق إلى دبي».

يقول بينج متأملاً: «لطالما آمنت بنفسي. كان العامان الماضيان أشبه بركوب قطار أفعواني، لكنني أثبت لنفسي أنني قادر على تحمل الضغط، واستيعاب أخطائي، والعودة أقوى عن ذي قبل. الآن، يتعلق الأمر بإنهاء الموسم على النحو الذي أنشده، عبر المحافظة على تركيزي، والاستمتاع التام بكل لحظة لعب. إن مواجهة روري، أمام هذه الجماهير، هنا في الشرق الأوسط، هي المكان الذي أريد أن أكون فيه بكل تأكيد».